هل الأمازيغية تصلح لتكون لغة رسمية حقـا ؟ إذا قاربنا القضية من الزاوية الدينية، فإن الإسلام الدين الرسمي في المغرب ، لغته العربية . وقد اختار الأمازيغ المسلمين منذ مئات السنين لغـة القرآن لغــة لـدينهم ، و عباداتهم الروحية ، دون أية مشاكل . قد يدعي أحدكم أن هذا قمعا أو دفنا حيا للأمازيغية ، لكن حسبي أن أقـول له : متى كان الإسلام دين إكراه ؟ إن اختيار ذلك كان عن قناعة و حب وسلام . و ما دون ذلك فهــو كلام شرذمة مــن الانفصاليـين الذين يحاولــون إثارة الفتنـــة في المجتمع المغربي . يفعلون ذلك حـتى و إن اقتضى بهم الحال و جنت بهـــم الأحـــوال و وضعوا أيديهـم مع أيدي الجزارين الذين يتلــذذون بذبح أبرياء أطـفال غـــزة...!
فعـــن أية كرامة ( شــعب ) يتحدثــون !! و من سمح لهــذه الفـئة أن تتحدث بلسان الشرفاء الأمازيغ من أبناء الوطــن ؟ الأمر الذي يجعلنا نؤكد مع المفكر المغربي عبد الله العروي عندما قال في كتابه الأخير « ديوان السياسة» ان المسألة الأمازيغية هي مسألة " سياسية في الأساس قبل أن تتحول إلى قضية ثقافية أو لغوية أو تاريخية أخلاقية، سلاح في مسابقة بين النخب و القيادات " ص 53
اللغة العربية لغة وحدة و ليست لغة فـرقــة ( بكسر الفاء) أو تفرقــة . أما ما دونها فلا نستطيع التواصل به في أمورنا الداخلية ، لا هي ولا غيرها من اللغات .
***
لا أحد ينكر أن لكل شخص انتماءاته الثقافية و الحضارية، لكن ما يوحدنا هنا في جغرافية الوطن هي اللغة العربية . كلنا مغاربة، بالقلب و الفكر و الروح . و كل شخص منا - أيضا- لـه خصوصياته الثقافية و الحضارية الضاربة جذورها في التاريخ، و هذا لا يمنع في أن نتواصل بلغة موحدة في أمورنا الداخلية و في علاقاتنا مع الغــــير أيضا .
تشير الإحصائيات إلى ان 27 في المائة من المغاربة يتكلمون الأمازيغية . و هنا يعلق عبد الله العروي في نفس الصفحة السابقة " قد يشك من يهمه الأمر في دقة هذا الرقم . لكن حتى إذا افترضنا أن الأغلبية إما معربون و إما مزدوجــو اللغة، و هــو ما يتمـاشــى مع ظاهـــرة النزوح المتزايدة نحــو المدن التي يغلب على جميعها تقريبا التخاطب بالعربية، يبقـــى أن اللهجة لا تحـدد وحـدها الهـوية " و يتابع عبد الله العروي حديـثه قائــــــلا " قــد تنقـطــع الصلـة باللغة و يظـل الانتماء قائـــما".
و نتساءل بدورنا في هذا السياق، هل من شأن انتشار التعليم الرسمي ان يضعف الأمازيغية ؟
الجواب : لا، بل العكس هو الحاصل. تتقوى و تزدهر، بل تزيد حـــدة و تعصبا قدر ما تتراجع في المجال العمومي، و هذا ما أكــده العروي.
***
أعتـــقــد ان اللغة لن تكون وحـدها سبب تخلف شعب و نبوغ شعب آخــر، بل المشكلة في العـقول التي ( تتواصل) بهذه اللغة. و العقلية الفاشلة و العاجزة و الاتكالية و الكسولة ، حتى و إن كانت لها لغة خاصة بها فلن تتحضر أو يتحقـق نمــوها و نهضتها إن لم ينعكس ذلك في فكرها . لا يهم أن تمتلك لغة بل المهم أن تحسن استخدامها ، على شاكلة مقولة الفيلسوف الفرنسي ديكارت حين قال في كتابه " قواعد المنهج " : ليس المهم أن نمتلك عقلا و لكن المهم أن نحسن استخدامــه ". مهــمة العـقل في نقـــد أزماتنا الداخلية و تخلفنا التاريخـي و كذا مهمة العقل في نقد " العقليات " نفسها هي أولوياتنا التي يقاس بها حضارتنا و مدى استعدادنا للدخول إلى عالـــــم رحب مؤسس على قيم الحق و العدالـة.
القضاء على التخلف التاريخي يقتضي التسلح بمبادئ العقـــل النقدي . و إن أردنا أن نقيــم مثالا لعــلاقة اللغة بالتقدم ، و التطور العلمي أو الإقتصادي .. فلا أدل على ذلك لغة الشعب الصيني أو الياباني .. فاذا أطلنا النظر في تطوره العلمي الذي أصبح يرعب دولا تعتقد في نفسها ( العظمة) سنجد أن شعب بأكمله يتحدث و يتواصل باليابانية .. فهل منع ذلك من تقدمــــه؟
صحيح، إن ما يمكن أن يحطم هوية الشخص المغربي هو إلغاء مكونه الثقافي و الحضاري، فلا يمكن أن نشابه هويــة شمـــالي بجنـــوبي و لا شرقي بغــربي. لكــن الوطن واحـد، و وحدته تعني الحفاظ على خصوصية كل شخص ينتمي إليه ، في إطار وحدة لغوية و دينية و وطنية. هــذا هــو المفـــيد، و الأجمل أني عندما أكون في الشمال افتخر بكون عروقي تجري فيها دماء رجالات أبناء الشمال البررة من أمثال عبد الخالق الطريس و محمد داود .. و ان كنت في الحسيمة أو الناظـور فقلبي يهتف لمن هزم جيش المستعمر الإسباني، الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي . و قد حصل و كنت في الصيف الماضي مسافرا إلى مدينة الحسيمة الرائعة، فوقفت بنا الحافة للإستراحة بين جبال الريف.. أحسست و أنا أستنشق هـواء جبال الريف بعظمة الإنتماء والتضحية و نبل المبادئ التي دافع و يدافع عنها أبناء الوطــن. أما عندما أتجه جنوبا إلى صحرائنا، فأنا أقبل رمالها و اقرأ الفاتحة على روح شهدائها .. شهداء الــصحــراء الـــمغــربية .
قد يعاتب بعضنا البعض بلطف، لـــكن أن تشعل بيننا نار الفرقــة و الحسد و الكراهية... فهذا ما لا يرتضيه عاقـــل سيأتي ربه يوم القيامة و يسأل عما فعلت يمناه و شماله . كما لا نرتضي ان (تطمس) ثقافة على حساب أخرى !
ليعش وطننا حرا، من شماله إلى جنوبه و من شرقـــه إلى غربه ، و في اختلافه الثقافي ، حتى لــــو كـــره الحانقــون .