بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تخشع في صلاتــك !!
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المُرسلين محمدٍ وعلى آلهِ
وصحبِهِ أجمعين ومن سار على نهجه واستن بسُنته واهتدى بهديه الى يوم الدين .
أما بعد :
قال تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ، وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين * الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم اليه راجعون ) البقرة 45 ،46 . وقال تعالى : (إن المنافقين يُخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا الى الصلاة قاموا كُسالى يُراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً ) النساء 142 . وقال تعالى : ( وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كُسالى ولا يُنفقون إلا وهم كارهون ) التوبة 54 . وقال تعالى : ( قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون ) المؤمنون 1+2 .
وقال : (صلى الله عليه وسلم ) ( أثقل الصلاة على المُنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ) متفق عليه . وعن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) قال : سمعت رسول الله (صلى
الله عليه وسلم ) يقول : ( إن الرجل لينصرف وما كُتب له إلا عُشر صلاته ،
تُسعها ، ثُمنها ، سُبعها ، سُدسها ، خُمسها ، رُبعها ، ثُلثها ، نصفها
)أبو داود وابن حبان والنسائي * لا ثواب إلا بقدر الخشوع أي يُحرم الأجر.
وقال : (صلى الله عليه وسلم ) ( خمس صلوات إفترضهن الله تعالى ، من أحسنَ وُضوئهن وصلاهن لوقتهن ، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان على الله عهدٌ أن يغفر له ، ومن لم يفعل ليس له على الله عهد ، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ) رواه أحمد وأبو داود ومالك والدارمي وغيرهم .
ومن دواعي الخشوع :
1 ــ إستفتاح الصلاة بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم : لقوله تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم )ولقوله
وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه سميعٌ عليم )
الذي عليه الجمهور أن الإستعاذة قبل التلاوة لدفع الوسوسة . ومعنى أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم : أي أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن
يضرني في ديني أو دُنياي أو أن يصدني عن فعل ما أُمرت به ، أو يحثني على
فعل ما نُهيت عنه .
2 ــ إذا فاتك التعوذ بالله أو جاهدك الشيطان مرة أُخرى : قال : (صلى الله عليه وسلم ) ( ذاك شيطان يُقال له خُنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً ) رواه مسلم . أي ثلاث مرات تفلاً من غير ريق فذلك يُخنس وسوسة الشيطان في الصلاة بإذن الله .
3 ــ دفع التثائب في الصلاة : لقوله
: (صلى الله عليه وسلم ) ( إذا تثائب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع
فإن الشيطان يدخل فاه ) رواه مسلم . إذاً إغلاق الفم باليد أو بإطباق
الشفتين حتى خارج الصلاة فهذا يمنع الشيطان من الدخول إلى قلبك ليُوسوس لك
ويحرمك الخشوع .
4 ــ تركيز البصر في مكان السجود طوال الصلاة :
لقوله : (صلى الله عليه وسلم ) ( عندما سألته عائشة (رضي الله عنها) عن
الإلتفات في الصلاة ؟؟ فقال : ( هو إختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد )
رواه البخاري . ولقوله : (صلى الله عليه وسلم ) ( لينتهين أقوامٌ عن رفع
أبصارهم عند الدعاء في الصلاة الى السماء أو ليتخطفن أبصارهم ) رواه مسلم .
نرى كثيراً من المُصلين من يجول ببصره يمنةً ويسرة وإلى الأعلى وهو يُصلي ،
وهذا منافي للخشوع .
5 ــ عدم ترك فُرجات للشيطان بين المُصلين : عن أنس (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) قال : ( رُصوا صُفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خُلل الصف كأنها الحذفُ {صغار الغنم السود } )صحيح رواه أبوداود . وإذا دخل الشيطان بين الصفوف وبين المُصلين هل يبقى مُصلي خاشع ؟؟ .
6 ــ الصلاة الى سترة : لقوله : (صلى الله عليه وسلم ) ( إذا صلى أحدكم فليصل إلى سُتره وليدن منها ) رواه أبوداودوابن ماجة . وعدم إتخاذ السترة للمُصلي يَدخل عليه الشيطان ويُلبس عليه الصلاة ويُنقص خشوعها بل أحياناً يبطله .
7 ــ المُحافظة على صلاة الجماعة وفي المسجد وفي ميامن الصفوف الأولى : لقوله
: (صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله وملائكتهُ يُصلون على الصفوف الأولى
)حسن رواه أبوداود . ولقوله : ( إن الله وملائكتهُ يُصلون على ميامن الصفوف
) رواه أبوداود . وصلاة الله وملائكته هي الدعاء والإستغفار والرحمة
والمُباركة للمُصلين في الصفوف الأولى وميامنها فمن حصل له ذلك خشع بإذن
الله . ولقوله (صلى الله عليه وسلم ) : ( الجفاء كل الجفاء والكُفروالنفاق
من سمع منادي الله يُنادي يدعو الى الفلاح ولا يُجيبه ) رواه أحمد
والطبراني . وقال(صلى الله عليه وسلم ) إذا كنتم في المسجد فنوُدي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يُصلي ) رواه احمد .
8 ــ تحقيق الطُمأنينة في كل الأركان : وهي ركن من أركان الصلاة ولا تصح الصلاة إلا بها فمن لم يُحققها كيف يخشع ؟؟ . عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال نهاني رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) عن ثلاثة : ـ عن نقرة كنقرة الديك ، وإقعاء كإقعاء الكلب ، وإلتفات كإلتفات الثعلب ) حديث حسن رواه أحمد والبيهقي والطبراني .
9 ــ عدم مُدافعة الأخبثين : من
مكروهات الصلاة وتُبطل الخشوع . لقوله : (صلى الله عليه وسلم ) (... ولا
يُصلي وهو حاقن حتى يتخفف ) أحمد وأبوداود والترمذي . وقوله : ( لا يُصلي
بحضرة الطعام ، ولا هو يُدافعه الأخبثان ) أحمد ومسلم . فكل تركيزالمُصلي
يكون في متى ينتهي الإمام ويذهب الى قضاء الحاجة ، فكيف يخشع ؟؟ بل أحياناً
يسبق الإمام بالتسليم فتبطل صلاته.
10 ــ عدم الصلاة بحضرة الطعام والشراب مع شدة الجوع : لقوله (صلى الله عليه وسلم ): ( لا يُصلي بحضرة الطعام ولا هو يُدافعه الأخبثان ) أحمد ومسلم .
11 ــ عدم الصلاة مع مُغالبة النعاس : لقوله (صلى
الله عليه وسلم ): ( إذا نعس أحدكم فليرقد حتى يذهب عنه النوم ، فإنه إذا
صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه ) رواه الجماعة . ولقوله (صلى
الله عليه وسلم ): ( إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم
يدر ما يقول فليضطجع ) رواه أحمد ومسلم .
12 ــ عدم العبث والحركة الكثيرة في الصلاة : كثرة
الحركة ومن غير لزوم تُبطل الخشوع لقول أهل العلم لكثير الحركة بالصلاة : (
لوخشعت جوارحه لخشع قلبه ) . وحُدثت عن بعض المُصلين من يضبط ساعته
بالصلاة وآخريُخرج ما في جيبه ويعُد فلوسه ويُرجعها ، وآخر يُخرج قلماً
وورقة ويُسجل ملاحظة ذكره بها الشيطان في الصلاة حتى لا ينساها ، وآخرمن
أول الصلاة ليس له شغل إلا الحطة والعقال مرة يقٌدم العقال ومرة يُاخره
ومرة يرسل طرف الشماغ يُمنة ومرة يُسرة فهل هؤلاء صلوا أو خشعوا ؟؟ !! .
عرّف اهل العلم المُصلي الذي إذا نظرت اليه عن بُعد عرفت أنه في صلاة .
13 ــ الإبتعاد عن الذنوب والمعاصي : لربما
هذا من أهم الأسباب لتحقيق الخشوع لقول عبد الله إبن المُبارك ( رحمه الله
) : رأيتُ الذنوبَ تُميتُ القلوبَ ..... وقد يُورث الذل إدمانها
وترك الذنوبَ حياة القلوب َ..... وخيرٌ لنفسك عصيانها .
14 ــ تطبيق سُنن الصلاة وهيئاتها : كما
وردت عن المُصطفى (صلى الله عليه وسلم ) يُساعدعلى الخشوع وتركها والتكاسل
عنها يُقلل الخشوع . لقوله : (صلى الله عليه وسلم ) (صلوا كما رايتموني
أُصلي ) رواه البخاري .
15 ــ قراءة آيات جديدة في كل صلاة وبتدبْر: ولو قليلة في الصلاة السرية وفي السُنن والنوافل حتى لو شق عليه القرآن ، فقرآءة آيات مُختلفة في كل مرة تجعل المُصلي يُركزفي كلماتها ومعانيها وهذا هو الخشوع والتدبر. وهناك أيضاً فائدة أُخرى وهي تثبيت الحفظ في القلب ، فالذي يقرأ في كل الركعات ب(قل هو الله أحد ) تُصبح صلاتة روتين وعادة على لسانه ، فلسانه يقرأ وقلبه في شغل آخر.
16 ــ التركيزوالتدبربكلمات ومعاني الآيات بقرآءة الإمام : في الصلاة الجهرية وتعلُم أحكام التلاوة وكيفية النُطق الصحيح لكلمات القرآن ، فبذلك تحصل على فائدتين الأولى : التعلم والتدبر والثانية : الخشوع . وفي الإثنتين الحُسنى .
17 ــ ومن دواعي الخشوع الإمام الكفء ذي الصوت الحسن : عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال : سمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلم ) يقول ما أذن الله لشيءٍ ما أذن لنبي ٍ حسن الصوت بالقرآن يجهر به ) متفق عليه . وعن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) قال له : ( لقد أُوتيت مزماراً من مزامير آل داود ) متفق عليه .
18 ــ إغلاق الهاتف النقال ( الخلوي ) : وهذا
يفوق كل ما ذكرته من دواعي الخشوع ، بل العدو اللدود للخشوع في هذه الأيام
، لا يكاد مسجد يخلو من رنة وموسيقى وأنغام ، فأصبحنا نُصلي على أنغام
الموسيقى كما يُصلي النصارى في كنائسهم وصدق فينا حديث المُصطفى (صلى الله
عليه وسلم ) : ( لتتبعُن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو
دخلوا جُحر ضبٍ لدخلتموه ) قالوا اليهود والنصارى ؟؟ قال : ( فمن !!) أي
من غيرهم . فكيف السبيل الى الخشوع مع مزامير الشيطان في المساجد . سألني
أحد الأخوة مرةً بعد أن دعونا في الصلاة لإخواننا في غزة وغيرها بالنصر
والتمكين وفك الحصار لماذا ندعو بالنصرولا يُستجاب لنا ؟؟ فقلت فوراً ودون
تردد إذا أوقفنا الموسيقى والرنات والأغاني في المساجد حينها ننتصر ، فتعجب من الجواب وكأنه لا يُعجبه أو يستغربه !! .
فقلت : عندما
نُغلق هواتفنا النقالة عند الدخول للمسجد للصلاة نكون عالمين بما سنعمل ،
وأن هذا العمل الذي سنقوم به هو عظيمٌ لعظيم فيكون مقبول بإذن الله ،
والدعاء بالقنوت والخشوع رهبةً ورغبةً مُستجاب إن شاء الله ، حينها لو
دعونا بالنصر والفرج والرزق لا يردنا الله سبحانه وتعالى صفراً ولا خائبين ،
وأما إذا كان العكس فأنى يُستجاب لنا ؟؟ . وكيف نخشع وهذه أُغنية من هنا
وموسيقى من هناك ، والطامة أن بعض المُصلين يضع بما يُسمى بأناشيد إسلامية
على أنغام الموسيقى ، إذا كان الدعاء المأثور والآيات لا تجوزأثناء الصلاة
لتشويشها وإبطالها الخشوع بصرف قلوب المُصلين عن الصلاة ، فكيف بتلك
المُحرمة ؟؟!! . لقوله تعالى : ( وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تُرحمون ) الأعراف 204 . ولقوله (صلى الله عليه وسلم ) : ( إنما جُعل الإمام ليؤتم به فإذا كبرفكبروا وإذا قرأ فأنصتوا ) رواه أهل السنن ومسلم . وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) في صلاة جهرية فقال بعدما فرغ : ( هل قرأ أحدٌ منكم معي آنفاً ) قال رجل نعم . قال : ( إني أقول ما لي أُنازع القرآن ) رواه الترمذي وحسنه . أقول : إذا كان الرجل مُتدبراً مع قراءة النبي(صلى الله عليه وسلم ) ويقرأ معه ومنعه ، فكيف برنات وموسيقى وأناشيد وأدعية وآيات خارجة عن صُلب الصلاة ؟؟ . فالله المُستعان .
قال تعالى : ( ذلك ومن يُعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) الحج 32 . والذي
نفسي بيده لو عظمنا الله في بيته لكان حالنا أفضل من ذلك ولكان رضا الله
علينا أعظم وأجل، ولله المثلُ الأعلى لو كان أحدنا في بيت مسؤول أو مكتبه
ورن هاتفه فإنه يسارع بإغلاقه هذا إذا لم يكن قد أغلقه أصلاً قبل دخوله
عليه ، هل عظمنا الخالق أكثر من المخلوق ؟؟ تدبر معنى الآية السابقة الحج
32 .
**
تم بعون الله ، فإن كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان ، وأنا
مُتراجعٌ عنه وإن كان من صواب وحق فمن الله وحده ، فلله وحده الفضل
والمنّـه.
مـــــــــــنـــــــقـــــــــول